الأجهزة النافذة في الولايات المتحدة تسرّع من وتيرة الانقضاض على دونالد ترامب، بذريعة "عدم الأهلية"، لكن طريق اللاعودة قد ينتهي بتصفية أو انقلاب أبيض.
قد يكون هناك ألف سبب وسبب للخلاف العميق بين دونالد ترامب وأجهزة النفوذ ومراكز الضغط في الولايات المتحدة. لكن معظم اسباب الخلافات والتناقض تحتمل تأجيل انفجارها بانتظار ظروف مؤاتية فاقعة، ما خلا واحدة وهي علاقة ترامب غير العدائية لروسيا.
روسيا كما يراها ترامب، خصماً ومنافساً. لكنها ليست عدوّاً بل يمكن أن تكون شريكاً محدوداً في بعض الملفات مثل ما يسميه ترامب مكافحة الإرهاب وغيرها. فهو يعتقد أيضاً أن الصين هي العدو الاستراتيجي للولايات المتحدة بسبب ثقلها الاقتصادي المتصاعد في الاقتصاد العالمي، وفي هذا الموضوع يظن أن روسيا تتقاطع مصالحها مع واشنطن على المدى الأبعد إلى حد الشراكة في الخوف من التنين الأصفر.
على النقيض التام من اعتقاد ترامب بشأن روسيا، تأسست أجهزة الحكم ومراكز الضغط والمصالح في الولايات المتحدة على العدائية لروسيا. وحين انهار الاتحاد السوفييتي السابق، كان أمامها أحد الخيارين إما الاستمرار في هذه العدائية وكأن شيئاً لم يكن وإما إعادة تأسيس المنظومة الأميركية على أسس جديدة وهو أمر يتطلب جهوداً مضنية لعدة عقود فضلاً عن حجم تكاليف هائلة. وبناء على ما تقدّم استمرّت العدائية وقت ارتماء يلتسين في أحضان الحلف الأطلسي، مما ساهم إلى حدّ بعيد باستفاقة الدب الروسي لاستعادة الكرامة المهدورة.
اختلاف المقاربة بين ترامب وأجهزة الحكم الأميركي، حدت بترامب أن يهوّن من شأن الصلة والاتصالات مع موسكو أثناء حملته الانتخابية، بما أن معظم دول المعمورة وزعمائها تؤيد منافسته هيلاري كلنتون سرّا وعلانية. فخطأ ترامب أنه يقلل من وقع أي صلة مع روسيا تُؤخذ في الغرب الأميركي والأوروبي على أنها خطيئة لا تُغتفر. فدعم باراك أوباما وأنجيلا ميركيل وغيرهم لإيمانويل ماكرون في الانتخابات الفرنسية على سبيل المثال، هو دليل على فضائل ماكرون ولا ريب أن مثل هذا الدعم ساهم بتحسين صورة ماكرون، بينما ساهم اتهام مواقع روسية بتشويه صورة ماكرون، في زيادة تلميع صورته، قبل أن يفصح الإعلام الفرنسي عن أن تلك المواقع هي أميركية وليست روسية.
الهوّة الواسعة بين ترامب وخصومه بشأن روسيا، تجرّ وراءها معظم الملفات الدولية والاقليمية. فترامب يشهر عداءه لإيران لكنه لا يتحرّك قيد أنملة في هذه العدائية أكثر من أوباما بسبب اصطدامه بحائط روسي لا يسع ترامب أن يتخطاه من دون اتخاذه روسيا عدوا. وفي هذا السياق يراوح مكانه في سوريا تحت سقف التفاهم مع موسكو في سوريا والمنطقة. وعلى الرغم من تعاطف ترامب مع اسرائيل، يجد نفسه أضعف من تكسير التوازنات الاقليمية ونقل السفارة إلى القدس قبل أن تتضح ما ستكون عليها صورة المنطقة بالتفاهم مع بوتين.
ضغوط أجهزة الحكم في أميركا، تدفع به لارتكاب مغامرات لعلها تشفي بعضاَ من غليل أنظمة الحكم. مثل قصف مطار الشعيرات في سوريا. ومثل تهديد كوريا الشمالية بالسلاح النووي ومثل التصعيد العسكري في بحر الصين أيضاً. لكن مثل هذه الخطوات العرجاء من دون استراتيجية ذات أفق، تريدها منظومة الحكم ومراكز الضغط سياسة مستمرة "لحفظ هيبة أميركا" الفائقة القوة الافتراضية. بينما يتوخاها ترامب رسائل لحفظ ماء الوجه وإشباع نهم خصومه. وفي هذا السبيل تثار في أميركا وبريطانيا عاصفة تشكيك بمدى ائتمان ترامب على أسرار الدولة بحسب "نيويورك تايمز". ومن أصل 290 نائباً جمهورياً يشكك 40 نائباً بصوابية ترامب ومنهم يطالب بلجنة تحقيق.
في الجهة المقابلة بين نواب الحزب الديمقراطي، يستعد البعض لتقديم مشروع قانون بإنشاء لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في طرد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جايمس كومي، وصلات ترامب مع روسيا السابقة وأيضاً بشأن أسرار الدولة كما ذكرت صحيفة"واشنطن بوست". قد يكون وضع القانون على سكة التحقيق خطوة كبيرة نحو الاطاحة بترامب. وقد يكون في بداية الطريق إنذاراً وتهديداً. "إمّا أن تغيّر أو تتغير".
الميادين
هل اعجبك هذا الموضوع ؟
لا يوجد تعليقات حتى الأن
إرسال تعليق